رحلة الحيوان الوحشي في معلقة لبيد ومسدار الصيد عند الحاردلو
دراسة تحليلية موازنة
الملخص
رحلة الحيوان الوحشي في معلقة لبيد ومسدار الصيد عند الحاردلو
(دراسة تحليلية موازنة)
د.عبلة الصديق عثمان محمد*
تعود علاقتي بالحيوان وقصصه وأنواعه إلى بحثي في الماجستير والدكتوراه، فقد كان الأول بعنوان: "المشوبات في جمهرة أشعار العرب" عند أبي زيد محمد بن أبي الخطاب القرشي، وهي القصائد التي شابها الكفر والإيمان، وهي سبع قصائد أختارها صاحب الجمهرة للشعراء المخضرمين وهم: نابغة بني جعدة، كعب بن زهير بن أبي سُلمى، القطامي، الحطيئة، الشماخ بن ضرار، عمرو بن أحمر، تميم بن مقبل العامري.
وبحثي في الدكتوراة الذي كان بعنوان: النوابغ الثلاثة (الذبياني، الجعدي، الشيباني)
ففي هذين البحثين وقفت مع قصص الحيوان بأنواعه المختلفة: الناقة، وحمار الوحش وأتنه، وثور الوحش وبقره، والظباء وتيسها، والظليم وأُنثاهـ، والسباع بأنواعها المختلفة - الأسد، والذئب، والضبع، و ...
فقد عشت في هذين البحثين مع الحيوان بأنواعه، وقصصه وربطه بأغراض الشعر المختلفة – النسيب، والمديح، والرثاء، والهجاء، والوصف، وغير ذلك من الأغراض.
فقد وجدت في قصص الحيوان وربطه بأغراض الشعر جوانب إنسانية مختلفة عبر عنها الشعراء بواسطة هذه الأغراض، فالحيوان يُصرع، والحيوان ينتصر، والحيوان يفقد طفله.
وفي الفترة الأخيرة رجعت إلى الشعر الشعبي السوداني، خاصة شعراء البطانة، وخاصة شعر الحاردلو، ومساديره.
فقد لاحظت هناك تشابهاً قريباً، وغريباً، وعجيباً أدهشني، وأمتعني. مما جعلني أفكر في كتابة بحث في موضوع من موضوعات هذا التشابه، أحلله، وأتناوله من جوانب مختلفة، علماً بأن هناك من سبقني من النقاد والأدباء إلى دراسات الشعر الشعبي السوداني، وتناولوه من جوانب مختلفة منهم: د. عبد المجيد عابدين، وغيره.
يقول الدكتور عبد المجيد عابدين: "ومن المفيد لدارس الشعر العربي القديم والجاهلي منه بخاصة، أن يدرسوا المسادير الاستعراضية في الشعر الشعبي السوداني. ونعتقد أنها تلقي ضوءاً كاشفاً على كثير من المعاني والعبارات التي وردت في الشعر العربي القديم، ولا سيما المعلقات. وربما أفادتنا المسادير في كشف وجوه من الارتباط والتسلسل بين أجزاء القصيدة الجاهلية التي تتناول وصفاً استعراضيّاً لحيوان الصيد، هذا بالإضافة إلى ما نجده من مشابهة واضحة بين الشعر الجاهلي والشعر الشعبي في السودان ولا سيما شعر المسادير في وصف المرأة والحيوان وتمثيل الطبيعة، والاسترسال في الوصف"[1].
ويقول دكتور محمد النويهي: "وقد اعترفت في أحد كتبي السابقة بأنني لم أبدأ في الفهم الصحيح للشعر القديم إلا حين عشت في السودان وتجولت في باديته، وهي عظيمة القرب في خصائصها الطبيعية من البادية العربية، بل هي في الحقيقة امتداد لها عبر البحر الأحمر"[2].
ويقول أيضاً: "فأول ما يجب أن نذكره في هذا الصدد هو أن الأدب العربي القديم لا يصور بيئة تامة الاختلاف عن بيئة الشاعر السوداني المعاصر، بل هو على العكس يصور بيئة قريبة الشبه ببيئته الحقيقية التي نشأ فيها، فالسودان من حيث هيئته الطبغرافية وأحواله الجغرافية يقترب في عناصر كثيرة من شبه جزيرة العرب، فهذه الصحاري الفسيحة، والسهول المبسوطة وما فيها من وهاد ونجاد، وما يتخللها من وديان وعيون وآبار وسيول وغدران، ومناخها وتقلبات طقسها، وتراوح فصول الجفافوالأمطار عليها، وكثير من نباتها وحيوانها، وبالتالي حياة الرعي والترحال التي يحياها السكان، وقيام نظام حياتهم على القبائل والاعتزاز بالأنساب، والكثير من عاداتهم وتقاليدهم الاجتماعية"[3].
ويقول: "وقد نتج عن هذا التشابه المادي والاجتماعي اقتراب في القيم الخلقية التي يعزها السودانيون من تلك التي تغنى بها العرب القدامى. فهي شديدة الشبه بتلك المثل التي أملتها البيئة الصحراوية، من الكرم الذي يبلغ حد الإسراف، والنجدة، وحماية المستجير، والشجاعة وحب الفروسية.لا عجب أن تعلقوا بالأدب العربي الذي يستوحى هذه المثل ويتغنى بها"[4].
نتيجة لذلك فقد وجدت تشابهاً يصل حد التطابق بين رحلة الحيوان ووصفه عند الحاردلو في مسدار الصيد، وعند لبيد في معلقته، ولا يفرق بينهما إلا أن المسدار بالدارجة السودانية، والمعلقة بالعربية الفصيحة، فالتشابه في الرحلة، وكثرة الأماكن ووصفها، وتقلبات الطبيعة ووصفها، وعلاقة الحيوان بهذه الأمكنة ورصد حركته وقوفاً وسيراً، وما يتعرض له من مخاطر.كل هذا وغيره لاحظته في رحلة الصيد في المسدار وفي معلقة لبيد.
فقد كانت دراساتهم موسعة تناولت جوانب مختلفة في هذا الشعر، أما في هذا البحث، فقد أردت منه أن أقف عند جزئية معينة، لها أثرها في القصيدة الجاهلية، وفي شعر الحاردلو.لهذا فقد جعلت دراسة هذا التشابه موضوعاً لبحثي هذا.
ولما كان الشاعران قد أبدعا في لغتهم الشعرية وصفاً، وسرداً، وقصصاً، لمظاهر الطبيعة، ورحلة الحيوان داخل هذه البيئة بتشكيلاتها المختلفة من صحاري، ووديان، وماء، ونبات، وسحب، وأمطار، ورعد، وبرق، لما كان ذلك كله، وغيره فقد اخترت عنواناً يناسب هذه الدراسة وهو: رحلة الحيوان الوحشي في معلقة لبيد ومسدار الصيد عند الحاردلو (دراسة تحليلية موازنة).
والخطة التي اتبعتها في تناول هذا الموضوع تتمثل في الآتي:
المبحث الأول:التعريف بالشاعرين.
المبحث الثاني: تشابهالحيوان الوحشي.
(أوصافه، لونه، وعيونه، وتشابه حركة الحيوان الوحشي شملت المكان والزمان، ومراتعه، وتشابه الحيوان الوحشي والكلاب).
المبحث الثالث: الرحلة ومخاطرها.
المبحث الرابع: رحلة المسدار بين الواقعية والرمزيّة.
والخاتمة.ثم المصادر والمراجع.
* أستاذ الأدب العربي المساعد بكلية اللغة العربية - جامعة أم درمان الإسلامية
المراجع
1. من الأدب الشعبي في السودان، د. عبد المجيد عابدين، الدار السودانية للكتب – الخرطوم، ط2، 1972م، ص 20 – 21.
2. الشعر الجاهلي – منهج في دراسته وتقويمه، د. محمد النويهي، الدار القومية للطباعة والنشر – القاهرة، ج1، ص32.
3. الاتجاهات الشعرية في السودان، د. محمد النويهي، جامعة الدول العربية – معهد الدراسات العربية، 1957م، ص15.
4. شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات، للأنباري، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، دار المعارف – مصر، 1963م، ص505.
5. الشعر والشعراء، لابن قتيبة، تحقيق: الدكتور عمر الطباع، دار الأرقم بن أبي الأرقم – بيروت – لبنان، 1997م، ص182 – 183.
6. وثائق سنار (الأرض)، د. محمد إبراهيم أبو سليم، ص52.
7. شرح المعلقات السبع، للزوزني، دار الجيل – بيروت، ص146.
8. ديوان الحاردلو، للدكتور إبراهيم الحاردلو، الدار السودانية للكتب – الخرطوم، ط3، 1983م، ص15.
9. عبد القادر القط والنقد العربي، عبد الحميد القط، مكتبة الخانجي – مصر، ط1، 1989م، ص193.
10. شرح المعلقات السبع، للزوزني، ص138 – 142.
11. الطبيعة في الشعر الجاهلي، للقيسي، دار الإرشاد – بيروت، ط1، 1970م، ص142.
12. شرح القصائد العشر، صنعة الخطيب التبريزي، تحقيق: د. فخر الدين قباوة، منشورات دار الآفاق – بيروت، 1980م، ط4، ص224.
13. تاريخ الشكرية ونماذج من شعر البطانة، د. أحمد إبراهيم أبو سن، ص300.
14. من الأدب الشعبي في السودان، د. عبد المجيد عابدين، ص20.
15. ديوان الحاردلو، د. إبراهيم الحاردلو، ص8- 9.
16. رسالة ماجستير بعنوان: "بين الشعر العربي والشعر الشعبي السوداني"، تهاني محمد ناصر، جامعة أم درمان الإسلامية – معهد بحوث ودراسات العالم الإسلامي، ص146.
17. ديوان مجنون ليلى، جمع الإمام أبي بكر الوالبي، تحقيق: محمد إبراهيم سليم، دار الطلائع للنشر، ص34.